رام الله الإخباري
كشف تقرير في صحيفة "وول ستريت جورنال" عن الطريقة التي أثرى فيها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان نفسه وإخوانه، في وقت يشن فيها حملة على الفساد والفاسدين، الذين اتهمهم بإساءة استخدام ثروات الدولة.
ويذكر التقرير، الذي أعده جاستين تشيك وبرادلي هوب، أن ابن سلمان شعر عندما كان صغيرا أن والده الأمير سلمان، الذي حكم منطقة الرياض، كان فقيرا مقارنة مع أعمامه وأولادهم.
ويقول الكاتبان: "ها هو بعد عقدين أصبح وليا للعهد، ووالده ملكا، ويقول إنه يريد مكافحة الفساد، وإعادة تشكيل الاقتصاد السعودي، بناء على الأسس الحديثة".
وتشير الصحيفة إلى أن الأمير محمد أصبح "ثريا بشكل خيالي"، فهو صاحب أكبر يخت في العالم، ويملك قصرا في فرنسا، ولوحة رسمها الفنان الإيطالي ليوناردو دافنشي، ودفع فيها 450 مليون دولار، لافتة إلى أن الطريقة التي بنى فيها الأمير ثروته تشير إلى أن المملكة تعد مصلحة تجارية عائلية مستمرة، من خلال دمج المغامرات التجارية والصلات مع الحكومة، بطريقة تبتعد عن الأساليب المتعارف عليها في الغرب.
ويستدرك التقرير، بأنه رغم ما يعرف عن حصول العائلة السعودية على حصة من نفط البلد وموارده، فإن الصفقات التجارية الأخرى التي تشرك الفرع السائد في العائلة يتم التحكم فيها، مشيرا إلى أن ابن سلمان هو المدير العام، ويملك حصة 20% من مصنع للأدوية، يمد الشركات الحكومية الكبرى، وذلك بحسب ملفات الشركات السعودية.
ويلفت الكاتبان إلى أن شركة يملكها شقيقان للأمير منحت رخصة "بردوباند" من الحكومة، مشيرين إلى أن الأمير محمد ساعد في عام 2015 على إبرام صفقة بمليارات الدولارات بين الشركة الأوروبية العملاقة "إيرباص" وشركة الخطوط السعودية المملوكة من الحكومة، وذلك كما تظهر الوثائق التي اطلعت عليها الصحيفة، بالإضافة إلى مقابلة مع عدد كبير من الأشخاص الذين اشتركوا في الصفقة، حيث تكشف الوثائق عن أن العقد قيمته عشرات الملايين من الدولارات لعائلته، فيما "رفضت المتحدثة باسم السفارة السعودية في واشنطن التعليق على نشاطات الأمير محمد التجارية".
وتقول الصحيفة إن صفقة "إيرباص" تشير إلى أن المزج بين التجارة والحكومة لا يزال أمرا ثابتا في الاقتصاد السعودي، رغم الحملة الواسعة التي اعتقل فيها الأمير أمراء ورجال أعمال، اتهمهم بإساءة استخدام النظام وأثروا أنفسهم.
ويورد التقرير نقلا عن أشخاص مطلعين على الصفقة، فإن "إيرباص" قررت المضي بها رغم تحفظاتها على المساحة الغامضة بين المصالح التجارية الخاصة والعامة، مشيرا إلى أن الشركة رفضت التعليق قائلة إن من سياستها عدم مناقشة العقود التجارية التي ربما تعرضت لتحقيق من سلطات حفظ القانون.
وينوه الكاتبان إلى أن السعودية الحديثة تم إنشاؤها عام 1932، حيث وحد عبد العزيز بن سعود منطقتين في شبه الجزيرة العربية، وأصبح ملكا عليها، ثم اكتشف الجيولوجيون الأمريكيون النفط، الذي جلب للمملكة المال الوفير لتمويل الحياة الباذخة للعائلة المالكة.
وتفيد الصحيفة بأن الملك خلف وراءه عشرات الأولاد والأحفاد، الذين أنشأوا شركات، وحصلوا على عطاءات من الحكومة، أو استفادوا من تأثيرهم السياسي، لافتة إلى أن هذه الممارسات استمرت بعد وفاة الملك عام 1953، حيث امتلك أمير رخصة البريد السريع الوحيدة في المملكة في شراكة مع "دي أتش أل".
وينقل التقرير عن مقربين من الأمير سلمان، قولهم إنه لم يركز على جمع الثروة في وقت بنى فيه أشقاؤه ثرواتهم، لكنه كان مهتما بتعزيز السلطة والقوة، فظل 48 عاما أميرا لمنطقة الرياض، وأشرف على تحويلها من قرية صغيرة في الصحراء إلى مدينة حديثة وكبيرة.
ويبين الكاتبان أن الأمير سلمان ركز على تعليم أولاده، فالأخ غير الشقيق للأمير محمد شارك في رحلة فضائية، وآخر تخرج من جامعة أوكسفورد، مشيرين إلى أن الأمير محمد اعترف أو اكتشف في بداية القرن الحالي أن والده لم يكن غنيا مقارنة بأعمامه وأولادهم، وأخبر المقربين منه أن والده ظل يعتمد على الحصة المالية التي خصصها شقيقه الملك فهد، وأنفقها على أولاده، بدلا من استثمارها أو توفيرها، وقال إنه استطاع الحصول على 100 ألف دولار، واستثمرها في السوق المالية السعودية، وظل يتعامل في السوق المالية طوال سنوات دراسته الجامعية.
وبحسب الصحيفة، فإنه عندما عين والده في سلم الملكية وولاية العهد، فإن الأمير ابن سلمان تولى عددا من المناصب التي عادت عليه بمليارات الريالات من السوق المالية السعودية.
ويكشف التقرير عن أنه حوّل بعض الاستثمارات للتجارة، فالسجلات السعودية لعام 2017 تظهر أنه يملك حصصا في خمس شركات عقارات وشركة للتدوير، ويملك نسبة 20% من أسهم "وطن للاستثمار الصناعي"، وهي شركة للكيماويات تتعامل مع شركات مملوكة من الحكومة، بما فيها "أرامكو"، بالإضافة إلى أن هناك شركة "ثروات"، التي أصبحت مهمة في نشاطات عائلة الأمير التجارية.
ويقول الكاتبان إن سجلات الشركات السعودية تظهر أن الأخ الأصغر لمحمد، تركي بن سلمان، يملك 99% من أسهم شركة استثمارات، فيما يملك نايف نسبة 1% الباقية.
وتنقل الصحيفة عن مدير "ثروات" عامر السالم، قوله إن الأمير تركي اشترى حصة شقيقه، فيما قال شخصان إن الأمير محمد بن سلمان انتفع من نشاطات "ثروات"، وهو ما ينفيه السالم، لافتة إلى أن "ثروات" وأخرى متفرعة عنها تملك معظم شركة تكنولوجية اسمها "جوراء"، التي حصلت على رخصة "برودباند" من الحكومة السعودية عام 2014، وأصبحت واحدة من ثلاث شركات تدير شبكات هواتف متنفلة في المملكة.
ويشير التقرير إلى أن "ثروات" تهتم في الأحواض السمكية والعقارات وخدمات التكنولوجيا والاتجار في المنتجات الزراعية والمطاعم، وبحسب شركة تابعة لـ"ثروات"، وهي "نسق القابضة"، فإنها راغبة في الاستفادة من خطة المملكة العشرية، والاستثمار في العقارات.
ويذكر الكاتبان أن سجلات الشركات السعودية تظهر أن "ثروات" وقعت اتفاقية شراكة مع "أوتشجسنر هيلث سيستم" في نيو أورليانز؛ من أجل جلب السعوديين لعمليات زراعة الأعضاء، كما منحت شركة الطيران السعودي، التي كانت تخسر، "ثروات" فرصة تجارية مربحة، ففي عام 2014، وبناء على نصيحة خبراء "التحويل"، فإن الحكومة السعودية اتفقت مبدئيا مع شركة "إيرباص" لإنعاش أسطولها القديم، وسيتم تمويل الصفقة من خلال صندوق الاستثمار السعودي العام، ومن خلال الموافقة على شراء 50 طائرة فإن السعودية ستحصل على تنزيلات.
وتلفت الصحيفة إلى أنه في الوقت الذي ركزت فيه عائلة الأمير محمد على الاستثمارات في الطائرات، فإن المستثمرين في الشرق الأوسط كانوا يبحثون عن بدائل لسوق العقارات المشبع، وكانت شركات الطيران تبحث عن طرق لتخفيف نفقاتها، من خلال استئجار الطائرات بدلا من شرائها.
وبحسب التقرير، فإن "ثروات" امتلكت في عام 2014 نسبة 54% من أسهم "بنك كوانتوم الاستثماري"، ومقره في دبي، مع أن لا تاريخ له في الصفقات، وأصبح الأمير تركي، الأخ الأصغر للأمير محمد، مديرا عاما لـ"كوانتوم"، مشيرا إلى أن مديري البنك لم يردوا على أسئلة الصحيفة.
ويفيد الكاتبان بأن مديري "كوانتوم" وبنك أصغر، وهو "إنترناشونال إيرفايننس كورب" قاما بالتدخل في صفقة الطائرات، وأصبح المصرف الصغير يدير صندوقا آخر، الذي أنشئ لأصحاب التعاملات الإسلامية في الشراء دون فائدة.
وتنوه الصحيفة إلى أن شركة "إيرباص" وبنك "إنترناشونال إير فايننس كورب" قاما في 23 حزيران/ يونيو 2014 بتنظيم "حفلة توقيع" في لندن؛ للإعلان عن صندوق جديد، ونظمها الأمير تركي بن سلمان، وكان الهدف من الصندوق جمع مبلغ 5 مليار دولار من الأسهم والقروض، وفي كانون الثاني/ يناير مات الملك عبدالله، ما أدى إلى تعليق الاتفاقية.
ويذكر التقرير أنه بعد أن وصل الملك سلمان إلى العرش، فإن المسؤولين السعوديين أخبروا شركة "إيرباص" أن لديهم خطة، بحسب ما قال بعض الناس المطلعين على الاتفاق، فبدلا من بيع للحكومة السعودية، تقوم "إيرباص" ببيع الطائرات إلى صندوق ألف المرتبط بعائلة الملك سلمان، والذي يقوم بتأجير الطائرات للسعودية.
ويورد الكاتبان نقلا عن الأشخاص الذين شاركوا في المفاوضات، قولهم إن السعودية لم تطرح العطاء على التنافس، ورفضت طروحات شركات قدمت أسعارا أفضل قبل اختيارها "ألف"، مع أن نائب مدير الشركة عبد الرحمن الطيب، قال إن عقد الطائرات تم بناء على الإجراءات السعودية، بما في ذلك سعر الاستئجار، والتأكد من حصول التنافس.
وتقول الصحيفة إن مديري "إيرباص" عبروا عند توقيع العقد عن تحفظاتهم، خاصة أن الشركة كانت تحت التحقيق في قضايا فساد، بما في ذلك مكتب الغش الخطير في بريطانيا، حول رشاوى قامت بها فروع لـ"إيرباص" في السعودية، ولهذا لم تكن الشركة راغبة في أي مشكلات أخرى.
وينقل التقرير عن شخص على علاقة بالموضوع، قوله: "عندما شاهدت أن تركي هو الذي تولى الصفقة، شعرت كأن أحدا رش على جسدي ماء باردا"، مشيرا إلى أن "إيرباص" وافقت في النهاية، خاصة أنها كانت أكبر صفقة في العام.
ويورد الكاتبان نقلا عن شخص آخر كان على علاقة بالنقاشات، قوله إن مديري الشركة قالوا: "لا نريد أن نمنع أبناء الملك من ممارسة التجارة"، مشيرين إلى أن هناك من شعر بالفرح لعلاقة العائلة المالكة، حيث قال أحدهم: "لقد تعاملنا معها على أن وجود أشخاص لديهم جيوب محشوة بالمال وعلاقات سياسية يبدو كأنه أمر جيد".
وتستدرك الصحيفة بأن هذا التطور جعل الكثير من المسؤولين في الحكومة والطيران السعودي يتساءلون عن جدوى استئجار الطائرات، خاصة أن شراء 50 طائرة من خلال صندوق الاستثمار العام، كان سيمنح الشركة تنزيلات جيدة.
وبحسب الوثائق التي اطلعت عليها الصحيفة، والمقابلات التي أجرتها، فإن الصفقة انتهت لمنفعة "ثروات"، حيث قال شخص: "في النهاية ذهبت إلى (ثروات)، التي جعلت الآخرين يمولونها، وحققت أرباحا دون المخاطرة بمالها".
ويكشف التقرير عن أن العملية بدأت من بنك "كوانتوم"، الذي تملك "ثروات" جزءا منه، ويديره الأمير تركي، وهو الذي قام بترتيب عملية جمع المال لشراء الطائرات، وقام صندوق ألف بشرائها وبتنزيلات عالية، وكانت تهدف للحصول على 15% عوائد.
وتختم "وول ستريت جورنال" تقريرها بالإشارة إلى أن الأمير محمد قام بتوقيع العقد النهائي أثناء زيارة له لفرنسا عام 2015، ونسب الصفقة لنفسه، بحسب مسؤول مطلع على التفاصيل، وقال: "كنت العقل المدبر وراء الصفقة".
عربي 21