بعد تصويت القدس... هل بدأ ترامب بتنفيذ وعده ووعيده؟

ترامب والقدس

رام الله الإخباري

منذ إقرار الأمم المتحدة بأغلبية الأصوات قرارًا يدين اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، بدأت الولايات المتحدة باتخاذ خطوات مثيرة للجدل تتمثل - كما يبدو- في فرض عقوبات على دول صوتت لصالح القرار، ومنح مكافآت لدول أخرى صوتت ضد القرار أو امتنعت عن التصويت.

وطال التلويح الرسمي بفرض العقوبات بشكل أولي كلًا من منظمة الأمم المتحدة ذاتها، وباكستان، والشعب الفلسطيني، بحسب القرارات المتتالية للإدارة الأمريكية.وأيّد مشروع القرار 128 دولة، من إجمالي 193 دولة عضوًا في الأمم المتحدة، فيما عارضته 9 دول فقط، وامتنعت عن التصويت عليه 35، فيما غابت عن الجلسة 21 دولة.

وكانت هددت واشنطن في 20 ديسمبر/ كانون أول الماضي، بقطع مساعداتها عن الدول التي تصوّت لصالح القرار الذي تقدمت به كل من تركيا واليمن بهدف إبطال قرار ترمب اعتبار القدس عاصمة إسرائيل.

وأرسلت عبر مندوبتها في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، رسائل تهديد للدول الأعضاء التي تنوي التصويت لصالح مشروع القرار، قائلة إنّ " رئيسها ترامب طلب منها تقريرًا عن كل دولة ترفض الانصياع"، وهذه سابقة في كواليس الأمم المتحدة.ولم تقف التهديدات عند هيلي فحسب، إذ قام ترامب بنفسه بالتهديد بقطع المساعدات عن أي دولة تصوت لصالح القرار.

ترامب يعاقب

فعليًا، بدأ التلويح بالعقوبات الأمريكية الناجمة عن القرار الأممي بشأن القدس، بإعلان البعثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، في 26 ديسمبر/ كانون أول المنصرم، موافقة ترامب على تقليص المساهمة الإجمالية للبلاد في موازنة المنظمة الدولية للعام 2018 بنحو 285 مليون دولار.

وبررت البعثة الخطوة التي مهدت لها قبيل التصويت على القرار الأممي في 6 ديسمبر بـ"عدم كفاءة الأمم المتحدة ومصاريفها الكبيرة المعروفة"، وعدم السماح بما اسمته "استغلال كرم الشعب الأميركي".

وفي وقت سابق الثلاثاء، قالت المندوبة الأمريكية، في تصريحات للصحفيين، بنيويورك إن "الرئيس دونالد ترامب سوف يوقف الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لمنظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وذلك حتى يعود الفلسطينيون إلى طاولة المفاوضات".

وأعقب تصريحاتها تلك تغريدة لترامب على "تويتر"، قال فيها: "ندفع للفلسطينيين مئات ملايين الدولارات سنويًا ولا نلقى أي تقدير أو احترام"، لافتًا إلى رفض الفلسطينيين "التفاوض على اتفاقية سلام طال تأخرها مع إسرائيل".

التوجه نحو فرض العقوبات الأمريكية بعد إدانة الأمم المتحدة لقرار واشنطن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، طال أيضا باكستان، إذ أعلنت نيكي هالي، أن بلادها ستعلق مساعدات بقيمة 255 مليون دولار لإسلام أباد بحجة "وجود أسباب واضحة ".

وقالت المندوبة الأمريكية، الثلاثاء، إن "باكستان لعبت لعبة مزدوجة لسنوات" (دون تحديد ماهيتها)".من جهته، استنكر المحلل السياسي الباكستاني، محمد أمير رانا، تلويح واشنطن بقطع المساعدات عن باكستان واصفا الموقف الأمريكي بنمط "الإدارة القسرية".

وأشار في حديث مع وكالة الاناضول التركية  إلى أن موقف إسلام أباد المناصر للقدس كان "عاملًا مساهمًا في تدهور العلاقات مع واشنطن".كما لفت إلى أنّ "الأزمة الحالية بين الطرفين الأمريكي والباكستاني ظهرت ملامحها الأولى منذ استعراض دونالد ترامب سياسته تجاه جنوب أسيا في أغسطس/ آب المقبل".

وفي الشأن ذاته، شدّد رانا، وهو مدير المعهد الباكستاني لدراسات السلام (خاص) على "استعداد بلاده لمواجهة الوضع الحالي (مع واشنطن)".وقال :"موقف إسلام أباد الدبلوماسي والإقتصادي يختلف عما كان عليه عام 2001، عندما قررت أن تكون جزءًا من تحالف مكافحة الإرهاب الذي تقوده الولايات المتحدة".

وحول الاتهامات الأمريكية الموجهة لباكستان بأنها تمارس سياسات ثنائية التوجه، أكد رانا أنّ "واشنطن تحاول باتهامات قديمة تحميل إسلامسؤولية فشلها في أفغانستان".

واتفق امتياز غول، المدير التنفيذي لمركز الأبحاث ودراسات الأمن الباكستاني (خاص) مع مواطنه "رانا"، وقال إنّه "لايستبعد أن يكون تصويت باكستان لصالح القرار الأممي الذي يدين الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وراء إعلان تعليق المساعدات الأمريكية لبلاده".

وأضاف للـ"أناضول" أنّ الخطوة الأمريكية بمثابة " تنفيذ سريع لسياسة الولايات المتحدة التي تستهدف جيش باكستان وسلاحها النووي".ومضى قائلا:" ترامب يحاول (بسياسته) تحويل الهند إلى قوة مهيمنة إقليمية لحماية المصالح الأمريكية من الصعود الصيني".​

 عقوبات خاوية

في الشأن ذاته، انتقد المحلل السياسي الأردني نصير العمري، المتخصص في السياسة الأمريكية، تهديدات إدارة ترامب للدول الإسلامية.وقال " إنّ" ترامب لديه شعور سلبي تجاه الدول الإسلامية، وإنه بات يطلق تصريحات متسرّعة تخدم توجه إدارته في فرض إرادتها".

وشدد العمري على عدم إمكانية استغناء واشنطن عن دولة "بحجم باكستان"، حسب قوله.واعتبر أن جميع التهديدات بفرض عقوبات "ورائها أمور أخرى في الكواليس"، وأنها "غير قابلة للتحقيق كون العلاقات (السياسية) متبادلة بين طرفين وليست علاقة منحة أو صدقة".

كما ركّز العمري على احتياج الولايات المتحدة لباكستان من أجل مكافحة الإرهاب في أفغانستان ومواجهة تنظيم داعش.وأردف بالقول:" لن يكون هناك أي تواجد دبلوماسي أو نفوذ للولايات المتحدة في المنطقة حال عاقبت الدول الإسلامية".

وفي صعيد متصل، لمحت جوليا ماسون، مسؤولة الخارجية الأمريكية، في تصريح لصحيفة "بانتش" (نيجيرية محلية)، إلى إمكانية وقف "الولايات المتحدة للمساعدات المالية عن نيجيريا وغيرها".

ولفتت الصحيفة إلى وعد ترامب في يوليو / تموز 2017 بتقديم مساعدات بقيمة 639 مليون دولار لمساعدة الأشخاص الذين يواجهون المجاعة في نيجيريا والصومال وجنوب السودان واليمن.لكن حتى الآن لم تتخذ الإدارة الأمريكية أي قرار ضد نيجيريا.

مكافآت موعودة

على صعيد آخر، أعلنت نيكي هيلي، بعد يوم من التصويت، أنها ستقيم حفل عشاء لممثلي 65 (مجموع من رفضوا وامتنعو وغابوا) دولة بالأمم المتحدة؛ تقديرًا لهم على مواقفهم في الجلسة الطارئة التي عقدتها الجمعية العامة.

وحينئذ، قالت " لن ننسى تصويت القدس"، وهي الجملة التي حملت وعدًا بمكافآت ووعيدًا بعقوبات.إسرائيل أيضًا ساهمت في المكافآت الممنوحة للدول التي أيدت الموقف الأمريكي بشأن القدس، وذلك من خلال شراء نظام لمعالجة مياه الصرف الصحي، لدولة ناورو، التي كانت اصطفت إلى جانب إسرائيل وأمريكا في قرار القدس.

فقد ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية على موقعها الإلكتروني، أواخر ديسمبر الماضي، أن لجنة المناقصات في وزارة الخارجية الإسرائيلية، صادقت على شراء محطة معالجة مياه الصرف الصحي، بجمهورية ناورو ، بتكلفة قدرها 71.9 ألف دولار بدون مناقصة.

وأرجعت الوزارة قرارها إلى "ارتباط ناورو بعلاقات صداقة قوية مع إسرائيل".وتبلغ مساحة جزيرة ناورو الواقعة جنوب المحيط الهاديء، 21 كيلومترا مربعا، ويعيش فيها 11359 نسمة فقط.

وصوتت 6 دول إلى جانب ناورو، والولايات المتحدةـ وإسرائيل ضد قرار عربي يرفض تغيير الوضع القانوني في مدينة القدس ويحث الدول على عدم نقل بعثاتها الدبلوماسية إلى المدينة.والدول الست هي جمهورية توغو (غرب أفريقيا)، وجزر مارشال وبالاو، وميكرونيسيا (المحيط الهادئ)، وغواتيمالا وهندوراس (أمريكا الوسطى).

ويشار أن الولايات المتحدة أنفقت العام المنصرم 18.25 مليار دولار على شكل مساعدات اقتصادية لـ92 متلقيًّا، و18.23 مليار دولار على شكل مساعدات أمنية لـ143 متلقيًا، وفق مانقل موقع "اي بي سي. نت" الإخباري عن مرصد المساعدة الأمنية الأمريكي.

وتشمل قائمة المستلمين للمساعدات الأمريكية دولًا على حدى، ومنظمات دولية، وأخرى إقليمية، بحسب المرصد الأمريكي.ويعمل المرصد على تعقب برامج المساعدة الأمريكية على الصعيدين الدفاعي والأمني في كافة أنحاء العالم، وعلى تحليلها.

الاناضول