من هم المستعربون ...شاهد يروي تفاصيل مرعبة لوحدة الموت الخفيّة

المستعربون

رام الله الإخباري

 يزال الشاب العشريني محمد زيادة من قرية بيتللو غرب رام الله، يتلقى علاجا من شلل نصفي أصيب به قبل عامين، أملا في استعادة عافيته من جديد.وخضع محمد لجلسات علاج طبيعي أملا في الشفاء من الشلل النصفي، الذي تسببت به رصاصة أطلقتها وحدات المستعربين التابعة لجيش الاحتلال عليه.محمد واحد من ضحايا كثر، وقعوا في فخ "المستعربين"، حدث ذلك بينما كان متواجدا عند مدخل مدينة البيرة الشمالي، خلال مواجهات وقعت في ذلك اليوم.

حينها اندس "مستعربون" بين الشبان وهاجموهم، ووجدوا محمد إلى جانب شابين آخرين فريسة لهم، حيث انقضوا كالذئاب المفترسة على محمد، وباشروا بضربه بآلات حادة على رأسه، ومن ثم أطلقوا عليه رصاصة، أدت لإصابته بشلل نصفي، وخلقت لديه مشاكل أخرى في النطق والإدراك، استدعت إجراء عمليات جراحية لإنقاذ حياته.

يوم أمس، تكرر المشهد في ذات المكان، حيث وفي غمرة اشتداد المواجهات بين جنود الاحتلال وشبان فلسطينيين غاضبين على إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن القدس المحتلة، انقض المستعربون على الشبان وتمكنوا من ثلاثة منهم. كان المستعربون ملثمين بكوفيات فلسطينية، وأبرحوا الشبان ضربا، وقيدوهم واقتادوهم نحو الآليات العسكرية التي هرعت لمساندة المستعربين.

وهذه الوحدات ليست بالظاهرة الحديثة في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، فهي تعود لأربعينيات القرن الماضي، حيث كان للمنظمات اليهودية وحدات من المستعربين، تنفذ اغتيالات واعتقالات وتجمع معلومات لصالح تلك المنظمات.

يقول الخبير العسكري واللواء المتقاعد واصف عريقات، إن المستعرب شخص متأثر بالبيئة العربية الفلسطينية، من مختلف النواحي الاجتماعية، بدرجة لا تثير الشك بالمطلق، وتعتبر فئة المستعربين من أهم وسائل القمع وأخطرها على الشعب الفلسطيني.

ويشير إلى أن فرق المستعربين تسمى أيضا "فرق الموت" ويتمتع أفرادها بمواصفات معينة، حيث يتم تدريبهم جسديا وعقليا ونفسيا، ويتم تأهيلهم للحد الذي تصبح فيه مهمة القتل تسري في عروقهم.

ويؤكد أن هذه الفئة نشطت منذ بداية الاحتلال لفلسطين في العام 1948، وهي جزء من عصابات "الهاغاناة" و"البلماخ" الصهيونية، وكانت تشكل رأس الحربة لتلك العصابات.

ويوضح عريقات إن أفراد هذه الفرق تخضع لتدريب لمدة ثلاثة أشهر، ويتم بين الحين والآخر عمل تدريبات أخرى عالية المستوى وبناء قدرات جزء منها قائم على الحرب النفسية، ويتخصصون بالتمويه والتخفي والاندماج في المجتمع الفلسطيني، وأحيانا كثيرة يتم إخفاء ملامحهم من خلال مواد تجميلية "ماكياج"، وأحيانا يستخدمون الشعر المستعار "الباروكة"، وأحيانا يستخدمون العكازات وغيرها.

ويؤكد أن مهمتهم الى جانب الاعتقال والاغتيال وجمع أكبر قدر من المعلومات عن نشطاء ومقاومين، زرع الحرب النفسية، وبث الإشاعات بين الناس والأفراد، وتشكيكهم ببعضهم البعض، وخلق نوع من التفكك وإثارة الفتن.

ويقول: "هؤلاء لديهم قدرة عالية على التأقلم مع الفئات التي ينخرطون بها، فبين الطلاب يكونون طلابا، وبين الصحفيين تجدهم صحفيين، وكذلك الحال بين الأطباء ورجال الاقتصاد. لديهم قدرة على التغلغل بين الناس حسب المهمات الموكلة إليهم".

كيف يمكن تجنب الوقوع في فخ المستعربين؟

يجيب عريقات على هذا التساؤل بأنه من المهم أن يتحلى الشبان، خاصة أولئك الذين يشاركون في المواجهات بشكل مستمر بالوعي الكافي، ومن المهم أن يعلموا أن وحدة المستعربين تكون في طليعة أي حدث يجري على الساحة، فمثلا يمكن أن يتواجدوا في جنازات الشهداء، وخلال المواجهات، أو المسيرات والمظاهرات، لذا فالحذر واجب.

ويشدد على ضرورة أن يقوم الشبان بتنظيم أنفسهم، والانقسام إلى قسمين خلال المواجهات، قسم يرشق الحجارة، والآخر يراقب المشاركين، ويكون متيقظا للحركات الغريبة التي تحدث بين المتظاهرين، حيث من الخطأ أن ينخرط الجميع في نفس المهمة داخل الحدث.

"من الممكن أن يتفق المشاركون في الحدث على إشارة معينة، أو كلمة معينة يستطيعون من خلالها تمييز بعضهم البعض، والقدرة على الاتصال والتواصل بين المشاركين، وخلق لغة مشتركة بينهم"، يقول عريقات. ويضيف: علينا تنظيم أنفسنا خلال المواجهات، لذا من يقود مثل هذه التظاهرات يجب أن يكون على وعي وتدريب كاف لمثل هذه الأمور.

ويؤكد أن شريط الفيديو الذي بثته وسائل الإعلام الذي يظهر فيه عدد من المستعربين يهاجمون الشبان عند مدخل البيرة الشمالي، يبين وبشكل واضح أنهم قاموا قبل الهجوم الأخير باستدراج المشاركين لنقطة قريبة جدا من المكان الذي يقف فيه جنود الاحتلال، وهذا الاستدراج كان واضحا وبشدة في الفيديو.

ويتابع: هناك شواهد على أن المكان كان موبوءا بالمستعربين، وذلك يظهر في عدد الجنود حينها حيث كان كبيرا، هذا بالإضافة إلى أنهم توقفوا عن إطلاق الرصاص والغاز المسيل للدموع لفترة طويلة، كل هذا يجب أن يقوم الشبان بملاحظته، لكن عملية الإفلات من بين أيدي المستعربين تتطلب مهارة كبيرة، وقوة جسدية توازي قوتهم.

ووحدات المستعربين كما يسميها الفلسطينيون، تنقسم بحسب المختص بالشأن الإسرائيلي محمد أبو علان دراغمة، إلى وحدة "يمام" التابعة لما يسمى حرس الحدود الإسرائيلي، ووحدة "دفدوفان" التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى فرقة كانت تعمل في قطاع غزة تسمى "شمشون"، وهم في العادة يكونون الدائرة الأولى التي تصل للهدف لضمان المراقبة والمتابعة، وبعدها يتم استدعاء قوات من جيش الاحتلال لإكمال العملية.

ويشير دراغمة إلى أن أفراد هذه الفرق يرتدون الزي المدني خلال مهامهم، وأحياناً الزي المحلي الفلسطيني، ويستخدمون مركبات تحمل لوحات ترخيص فلسطينية، ولا يوجد وقت محدد لتنفيذ عملياتهم سواء في ساعات النهار أو الليل، كذلك فهم يتحركون في اللحظة التي تتوفر لديهم معلومات استخبارية عن الهدف، ويكونون خلال تحركهم على اتصال مباشر مع وحدات عسكرية قريبة من جيش الاحتلال للتدخل عند الضرورة.

ومن الناحية القانونية، يقول الخبير في القانون الدولي حنا عيسى، إن وجود هذه الظاهرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة مخالفة لقواعد القانون الدولي والإنساني، خاصة اتفاقية لاهاي لعام 1907، واتفاقية جنيف الثالثة، لكون وجودهم بين الناس المدنيين العزل يعرض حياتهم للخطر.

ويضيف عيسى أن عمل المستعربين مخالف للقوانين، التي تحتم على الجيوش أن تظهر بلباس عسكري، وأن يضع الجندي على كتفه شارة، كذلك أن يحمل السلاح علنا، ويتقيد بالأعراف والقوانين الدولية.

ويؤكد أن الاحتلال يخرق كل هذا من خلال استخدام هذه الفئة للتمويه والتخفي والإيقاع بالناس وتضليلهم، وهو مخالف للقانون الدولي، مشددا على أنه لا يوجد توصيف قانوني محدد لهم، فهم يصنفون بمرتبة مجرمي الحرب والقتلة، ويتشابهون مع فرق القتل في جيش الاحتلال، حيث إن المسؤولية القانونية تقع على عاتق الدولة التي ترسل هؤلاء العصابات.وخلال انتفاضة الأقصى عام 2000، نفذت وحدات "المستعربين" عمليات اغتيال واعتقال طالت العشرات من المقاومين من مختلف التنظيمات والفصائل الفلسطينية.

وكالة وفا