هذا ما فعله أكراد العراق بأنفسهم!

هذا ما فعله أكراد العراق بأنفسهم!

رام الله الإخباري

بعد أن ذهبت السَّكْرة.. وجاءت الفكرة، فإن أكراد العراق أمامهم خيارات ضئيلة في القدرة على الاستمرار، بعد أن ركزت بغداد وجيران كردستان الغاضبون الآخرون على أضعف نقاطها، ألا وهو الاقتصاد. فقد أعلنت بغداد إغلاق المجال الجوي لكردستان العراق، وإغلاق الحدود، وإيقاف صادرات النفط.

ولكن على الرغم من عدم وجود منفذٍ بري لكردستان العراق، وهي مَدينة بـ17 مليار دولار، وتعتمد على جيرانها الغاضبين في تصدير النفط الخام واستيراد الطعام، فإنَّ قادة حكومة إقليم كردستان قد تحدوا هذه التهديدات، وباعوا "الحلم" بضرورة الاستقلال السياسي، بعد عقودٍ من القتل الممنهج والتفجيرات من قبل حكومة بغداد، فاستجاب ملايين الأكراد بالخروج من كل فج عميق للتصويت بأعدادٍ هائلة.

ولكن الآن بعد أن ذهبت السكرة وجاءت الفكرة، دعونا نرى ما الذي فعله الأكراد أنفسهم بأنفسهم أولاً.

لماذا التضييق الاقتصادي نقطة ضعف كردستان العراق؟

يذهب الكثير من المحللين إلى أنَّ تركيز الأكراد على الانفصال السياسي قد يأتي على حساب استقلالهم الاقتصادي، وقد يكون الإقليم، الذي تضرَّر بشدة عقب انهيار سوق النفط الخام بعد أن كان يُطلَق عليه دبي القادمة، هو من سيدفع الثمن.

وقال بلال وهاب، المحلل بمركز واشنطن البحثي، لصحيفة فايننشال تايمز "إنَّ أخطر طريقة للإضرار بحكومة كردستان العراق هي الاقتصاد. هل يمكن لحكومة كردستان العراق أن تكون قابلة للاستمرار اقتصادياً؟ أفضل جواب لدينا حتى الآن هو أنَّنا لا نعرف".

وقال المسؤولون في حكومة كردستان العراق، إنَّهم مستعدون لحدوث بعض التداعيات الاقتصادية، بعد أن تأكد تصويت الأغلبية الكاسحة بنعم في الاستفتاء على الاستقلال في وقتٍ متأخر من يوم الأربعاء، 27 سبتمبر/أيلول. لكنَّ أولئك المسؤولين يقولون إنَّ المنافع المتبادلة من طرقهم التجارية مع أنقرة وطهران، وخط أنابيب النفط الخام إلى تركيا، كل ذلك سوف يثبط من إمكانية وجود حملة طويلة المدى للإضرار بالاقتصاد.

فعلى سبيل المثال، يقول أراس خوشنو، أحد المستشارين الاقتصاديين لدى حكومة إقليم كردستان، للصحيفة إنَّ كردستان العراق هي نقطة دخول صفقات تجارية مع العراق تصل قيمتها من 8 إلى 10 مليارات دولار. ومنذ أن غرقت سوريا في الحرب، أصبحت المنطقة بوابة دخول شاحنات البضائع إلى الخليج.

لكنَّ بعض المسؤولين يشعرون سراً بالقلق من احتمالية أن تقوم تركيا بتغيير طريق الشحنات عبر إيران، لمعاقبة حكومة إقليم كردستان. إذ تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنَّ الأكراد "لن يكون بإمكانهم إيجاد الطعام" لو أغلق عليهم الحدود.

حتى البَيْض يستوردونه.. كيف سلَّم الأكراد رقبتهم للجيران؟

ويقدر المسؤولون أنَّ حكومة إقليم كردستان تستورد من 80 إلى 90% من البضائع والخدمات من الخارج. حتى البيض والحليب على أرفف محالّ البقالة تأتي من الدول المجاورة.

وقال عادل يحيى صالح، المحاسب في سوق علوا المزدهر: "نحن قلقون، كيف لنا ألا نقلق؟". وكان المزارعون وسائقو الشاحنات والعمال يفرغون صناديق البصل والبطاطس والطماطم والفواكه الملونة، وقد وصل معظم هذه البضائع عبر تركيا وإيران.

وقال صالح إنَّ أسعار البطاطس التي يبيعها زاد ثمنها إلى أكثر من الضعف، عندما أُغلِقَ أحد المعابر الإيرانية بشكلٍ عابر يوم الثلاثاء. وقال: "إنَّنا لم نعد ننتج أي شيءٍ تقريباً. من سوف يعاني؟ لن يعاني التجار الكبار هنا الذين سوف يرفعون أسعارهم، أو السياسيون، وإنَّما سيعاني من هم مثلي. أولئك الذي يعيشون على رواتب ضئيلة".

وكانت كردستان الجبلية العشبية في الماضي سلة غذاء العراق، لكنَّها تخلت عن ذلك منذ اكتشاف النفط، فأصبحت تُصدِّر الآن حوالي 550 ألف برميل يومياً. ويقول المنتقدون إنَّ الحكومة الآن أكثر اهتماماً بتحسين صفقات النفط والغاز من اهتمامها بالاستثمار في الزراعة أو تنويع القطاع الخاص، المعتمد بشكلٍ شبه كامل على العمل مباشرةً في النفط، أو العقود الحكومية الممولة من عوائد هذا النفط. ويقول أولئك المنتقدون، إنَّ التركيز على الاستقلال من بغداد يتجاهل تكبيل أنقرة للإقليم، وليس خط أنابيب النفط الخام إلا واحداً من علامات هذا التكبيل.

لديهم بريق أمل.. لكن تركيا قد تضحي اقتصادياً

ويقول مؤيدو الاستفتاء إنَّ تركيا لا يمكنها إغلاق خط الأنابيب لوقتٍ طويل لأنَّها، هي الأخرى، تتربَّح من تحويلات مبيعات النفط. وأكبر منتجي النفط في حكومة إقليم كردستان هي شركة جينيل، وهي شركة مدرجة في لندن لها علاقاتٌ قوية بتركيا. ويشير أولئك المؤيدون أيضاً إلى الصفقات الأخيرة لحكومة إقليم كردستان بقيمة ملياري دولار مع شركة روسنفت، التي تربطها علاقاتٌ بالرئيس الروسي بوتين، وإلى اعتماد تركيا على الغاز الروسي بصفتها أسباباً إضافية ستجعل تركيا تُحافِظ على بقاء خط الأنابيب.

لكنَّ إغلاق الخط لعشرين يوماً، في شهر فبراير/شباط 2016، والذي تقول أنقرة إنَّه توقف بسبب تفجيراتٍ نفَّذها حزب العمال الكردستاني، يُعَدُّ سابقةً مقلقة، وذلك بحسب أحد المسؤولين الأكراد. وقال ذلك المسؤول لفايننشال تايمز: "خسرنا نصف مليار دولار. وبالنسبة للقرار السياسي، فسوف تضحي تركيا اقتصادياً. أما بالنسبة لنا، فلو أغلقوا خط الأنابيب لعشرة أيام فسوف تكون تلك مخاطرة كبيرة لنا، وأعتقد إنَّ بإمكانهم إغلاق الخط لشهر".

ليس ذلك فقط.. فالأكراد سيتخلّون عن حماسهم لكردستان عندما يتضوّرون جوعاً

أصبحت حكومة إقليم كردستان مثقلةً بالديون منذ انهيار أسعار النفط عام 2014، وصارت تُكافِح لدفع رواتب القطاع العام المتضخم لديها. فالحكومة الآن مدينة بـ8 مليارات دولار من الرواتب المتأخرة، وبحسب خوشنو، فهي مدينة بحوالي 5 مليارات دولار لشركات النفط، وقد دفعت حكومة إقليم كردستان لبعض هذه الشركات عبر قروضٍ بنكية.

ويقول سياسيون دبلوماسيون، إنَّ ما يخشونه ليس أنَّ حكومة إقليم كردستان سوف تتضور جوعاً، وإنما أنَّ هذه الضغوط الاقتصادية قد تؤدي إلى تداعي الإجماع السياسي وحماس الاستقلال. ولهذه الاحتمالية صدىً مظلم في منطقةٍ يتقاتل فيها الحزبان الرئيسيان في حرب أهليةٍ من التسعينيات. وقال أحد الدبلوماسيين الإقليميين: "إنني أتوقع مظاهرات، أو أسوأ من ذلك... قد تبدأ الأحزاب السياسية في الانحدار إلى انقسامٍ داخلي أو تنقلب على بعضها بعضاً".

ولكن إلى متى يمكنهم الصمود في أفضل السيناريوهات؟

ويعتقد خوشنو أنَّ حكومة إقليم كردستان لديها احتياطي من الطعام يكفي عاماً، وقد يبقى لوقتٍ أطول، اعتماداً على الإنتاج المحلي مع القليل من التقشف. وسوف يكون هذا الأمر شبيهاً بفترة التسعينيات، عندما عانى الأكراد من حصارٍ استمر ثلاثة أعوام، فرَضه نظام الرئيس العراقي صدام حسين. وقال خوشنو: "لم يكن لدينا أي شيءٍ على الإطلاق. لكنَّنا وقفنا بصلابة".

لكن وهب يقول إنَّ كردستان العراق اليوم مختلفة للغاية. وقال: "كان الأمر حينها متعلقاً بالعيش تحت حكم حكومة إقليم كردستان، وتحمُّل الجوع المستمر أو التطهير العرقي". أما هذا الجيل فقد عاش بآمالٍ ليست مقتصرة على البقاء، وإنَّما معلقة بالمستقبل. وأضاف وهب: "لا أعتقد حقاً أنَّ بإمكانك تسويق الجوع لهذا الجيل".

 

هاف بوست عربي