فيلم "الجميلة والوحش" الجديد لا يضاهي روعة نسخته الأصلية

الجميلة والوحش

تنهمك شركة "ديزني" منذ فترة ليست بالبعيدة في تقديم نسخ جديدة من أعمالها الأكثر نجاحا. ولكن كان لغالبية هذه النسخ هويتها الخاصة التي تميزها، فقد حوّل فيلم "مالفيسنت" الشخصية الشريرة في النسخة الكلاسيكية لفيلم "الجمال النائم"، إلى بطلته.

وفي فيلم "كتاب الغابة"، أُدخِلت بعض أفكار وأعمال الكاتب روديارد كِبلينغ في العمل. أما "بيتس دراغون" (تنين بيت)، فلا يستوحي الكثير مما ورد في نسخته الأصلية التي أُنتِجت عام 1977، إلا الاسم فقط. لكن النسخة الجديدة من "الجميلة والوحش"، هي أول إعادة لعملٍ من أعمال "ديزني" تتبنى نهجا مغايرا تماما لذلك، عبر محاكاة نظيرتها الأصلية بحذافيرها، بكل شكل ممكن.

والقصة هي نفسها التي وردت في "الجميلة والوحش"، عندما قُدِم في فيلم رسوم متحركة عام 1991 وحظي بإعجاب وحب شديديّن. والشخصيات كذلك لم تتغير، حتى ثياب البطلة "بِل" ظلت كما كانت؛ ثوبٌ أزرق اللون وقميص نسائي أبيض اللون في بداية الأحداث، ثم رداء أصفر اللون منتفش النصف السفلي كالكرة خلال ما يلي ذلك من أحداث.

وفي ضوء تطابق غالبية الجُمَل الحوارية بين النسختين؛ كان من المثير للدهشة أن ينسب موقع "آي إم دي بي" - الذي يشكل قاعدة كبرى للبيانات الخاصة بالأفلام على الإنترنت - سيناريو النسخة الجديدة من الفيلم إلى ستيفن شوبسكي وإيفان سبيليوتوبولوس، بدلا من ليندا وولفرتون كاتبة سيناريو العمل الأصلي.

فضلا عن ذلك، تُحاكي النسخة الجديدة من "الجميلة والوحش" مشاهد النسخة الأصلية، إلى حد يجعلك تَخْبُر تلك الظاهرة المذهلة والمروعة المعروفة باسم "ديجا فو" (شوهد من قبل). وقد لا تجد هذه الظاهرة بهذا القدر سوى في نسخة فيلم "سايكو"، التي أُنتِجت عام 1998 وأخرجها الأمريكي غوس فان سانت، تبجيلا للنسخة الأصلية التي أخرجها ألفريد هيتشكوك قبل ذلك بعقود.

رغم ذلك، هناك اختلافان واضحان بين نسختيّ "الجميلة والوحش"؛ يتمثل أولهما في أن النسخة الجديدة تمزج بين الممثلين الحقيقيين والشخصيات المُجسدة بأسلوب الرسوم المتحركة، وهو ما يعني أنه سيكون هناك الكثير لمشاهدته من ديكورات وأثاث وزخارف تغص بها مشاهد العمل من ناحية، بجانب إبداعات رقمية معقدة تتعلق بتحريك الشخصيات الكارتونية الموجودة فيه من ناحية أخرى.

ومع ذلك، فبالرغم من الأموال الطائلة التي أُنفِقت بالقطع للخروج بالمحتوى البصري للفيلم بهذا الشكل المماثل لما خرجت به أفلام مثل "هاري بوتر" على سبيل المثال؛ تبقى الحقيقة المحزنة متمثلة في أن النسخة الكارتونية - التي ظهرت قبل أكثر من ربع قرن من الزمان - أكثر سحرا وابتكارا من نسختنا هذه، رغم ما احتوت عليه النسخة الجديدة من مجاميع هائلة من المؤدين. حتى أغنيتا "بي آور غِست" (كن ضيفنا) و"الجميلة والوحش" التي تحمل اسم العمل؛ كانتا في النسخة الأصلية أكثر جاذبية بكثير.

بجانب ذلك، لا يرتقى سوى قلة من أبطال الفيلم الجديد إلى أداء أقرانهم ممن شاركوا بأصواتهم في النسخة الكارتونية. ومن بين هؤلاء، دان ستيفنز الذي جسد دور الوحش، تحت وطأة خدع سينمائية معقدة. وقد استطاع أن يضفي طابعه على الشخصية، وسعى إلى جعلها محببة إلى الجمهور من خلال إكسابها سمتا أرستقراطيا يتصف بالحماقة والخرق.

أما إيوان ماكغريغور، فقد أضفى قدرا من الجاذبية والحيوية وروح الدعابة على شخصيته "لوميير الشمعدان". وإذا انتقلنا إلى باقي فريق العمل، فسنجد أن إيما واطسن قدمت شخصية "بِل" بطريقة جعلتها مشاكسة وحريصة للغاية على مظهرها وسلوكها.

أما إيما طومسون، فلم تصل في أدائها لشخصية السيدة بُتس "أبريق الشاي" إلى المستوى ذاته، الذي بلغته أنجيلا لانسبري في تجسيدها للأداء الصوتي لهذه الشخصية في نسخة الرسوم المتحركة، على نحو دافئ ومهدئ تماما مثل الشاي الذي يختمر في داخلها.

في السياق ذاته، كان كيفن كلاين مُتكلفا على نحو مؤلم في تجسيده لدور والد "بِل" الثرثار.وفي العديد من الحالات، كان الفارق يتجسد في أمر آخر، يتعلق بأن موسيقيين ومغنييّ أوبرا مخضرمين هم من قدموا الأداء الصوتي الخاص بالشخصيات في النسخة الأولى، لذا كان بوسعهم الغناء بشكل رائع بحق. لكن هذه الشخصيات نفسها أُسنِدت في النسخة الجديدة - التي تمزج بين الرسوم المتحركة والأداء البشري الحي - إلى نجوم سينما لا يستطيعون الغناء.

عبء "الوحش"

أما وجه الاختلاف الثاني بين النسختين، فيتمثل في أن الأحدث في النسخة الجديدة أطول منها في النسخة الأقدم. وقد أخذ المخرج بيل كوندُن قصة حب خيالية التفاصيل، تواثبت بخفة على مدار 84 دقيقة في النسخة الأولى، وحوّلها إلى عمل درامي مضت أحداثه بتثاقل لمدة 129 دقيقة مُضجرة.

بعض ما أُضيف إلى القصة كان بارعا وحاذقا، ففي مقدمة النسخة الجديدة، يتحول الأمير إلى شخص شقي مزعج دائم السخرية ممن حوله، يقيم حفلات على غرار تلك التي كانت تقيمها ملكة فرنسا الشهيرة ماري أنطوانيت، وذلك على حساب رعيته الفقيرة. لذا، عندما تحوله ساحرة إلى وحش ذي فراء وأنياب، لا يبدو ذلك مجحفا كما كان ينظر إليه في النسخة الكارتونية من الفيلم.

كما تفيدنا الإضافات، التي تحتوي عليها النسخة الجديدة من العمل، في التعرف على السبب الذي حدا بشخصية غاستون، هذا الصياد الأنيق المتغطرس الذي يجسد شخصيته على نحو بارع ومسلي الممثل لوك ايفانز، إلى أن يكون مهووسا بشدة بـ"بِل" عاشقة القراءة في القرية التي تقطنها، فقد بدا أنه يشتاق - على ما يبدو - للانفعالات التي كانت تُفعم بها نفسه بفعل أعماله البطولية خلال الحرب.

لكن جهود صناع الفيلم الجديد لملء فراغات أخرى في النسخة الكارتونية حظيت بترحيب أقل. فـ "الجميلة والوحش" في نسخته الحالية يمضي على درب مثير للضجر، سلكته من قبل أحدث أجزاء سلاسل مثل "باتمان" و"جيمس بوند"، ويتمثل في شرح كل تفصيل متعلق بماضي أبطالها وتركيبتهم النفسية.

وفي فيلمنا هذا - كما في "باتمان" - تشكل وفاة الوالدين أحد العوامل الأكثر تأثيرا. وتمخض ذلك عن وجود العديد من "الخُطب" والعبارات الرنانة في الفيلم، جنبا إلى جنب مع الكثير من الأغاني الجديدة التي لم تفض سوى إلى جعل العمل كله أبطأ إيقاعا وأكثر قتامة، وهو خطأ فادح.

ومن جهة أخرى، تقوم حبكة "الجميلة والوحش" على أن الأمير سيبقى إلى الأبد حبيسا لشكله المتوحش إذا لم يقع هو و"بِل" في حب بعضهما البعض قبل انتهاء تساقط بتلات وردة مسحورة. لكن المشكلة تتمثل في أن الفيلم يمضي بوتيرة بطيئة، إلى حد يجعلك تشعر بأن الأمر لن يحتاج سوى إلى ثلاث أغانٍ إضافية، لكي تذبل الوردة وتموت تماما.

وبشكل ما، تبدو مشاهدة "الجميلة والوحش" في نسخته الحالية، أشبه بمشاهدة النسخة الأطول من فيلم "أباكوليبس ناو" ( القيامة الآن) التي أُنتجت عام 2001. فأنت في المرتين ستشعر بأنه من الممتع مشاهدة كل المشاهد الإضافية في النسخة الجديدة، دون أن يخفي ذلك الأسباب الواضحة التي حدت إلى استبعاد مثل هذه المشاهد من العمل في نسخته الأولى.

رغم ذلك، يمكن القول إن أمانة الفيلم الشديدة في النقل من النسخة الكارتونية ستروق لبعض المشاهدين. ولعلنا نذكر هنا أن عشاق روايات سلسلة "هاري بوتر" من صغار السن، لم يُقيّموا الأفلام الأولى التي أُخذت عن تلك الروايات، وفقا لمدى اتساقها مع المعايير السينمائية، ولكن بناء على إخلاصها الشديد والخانع أيضا لما ورد في النصوص الروائية بحرفيته. لذا، قد يَسعد المشاهدون - ممن شاهدوا النسخة الأصلية من "الجميلة الوحش" وهم صغارٌ في السن - بمشاهدة العديد من لحظاتهم المفضلة في العمل وهي تتجسد أمامهم من جديد، مُضافا إليها إيما واطسون بطلة الفيلم، التي طالما اشْتُهِرت بدور "هرميوني" في أفلام "هاري بوتر".

وعلى الجانب الآخر، لدينا هؤلاء التعساء ممن لم يشاهدوا النسخة الأصلية من "الجميلة والوحش"، وهي أول عمل رسوم متحركة يُرشح للفوز بجائزة أوسكار أحسن فيلم. فبالنسبة لأولئك، سيكون هناك الكثير مما يُدخل السرور على قلوبهم، حتى في النسخة الجديدة التي تمثل محاكاة باهتة للعمل الأصلي.

ورغم أن الفيلم الذي نتحدث عنه هنا ليس سيئا للغاية، فمن العسير أن نجد سببا لإنتاجه في وقت لا تزال فيه النسخة الكرتونية موجودة. وهو في نهاية المطاف، لا يعدو كونه إعادة إنتاج لأغنية تربعت على القمة، وذلك في نسخة جديدة تفتقر لأي شخصية مُمَيِزة لها، إلى حد يوحي بأن شعار المخرج كوردُن في هذا الصدد كان يتمثل في "أترك كل شيء على حاله، ولا داعي لمحاولة إصلاحه، طالما لم يُكسر".

لكن ربما كان يجدر به تبني شعار آخر هنا مفاده :"طالما لم يُكسر شيء ما، فلا تُقدم منه نسخة جديدة".