5 أضعاف تفجير هيروشيما.. ماذا تعرف عن تجربة فرنسا النووية في الجزائر؟

تجربة فرنسا النووية في الجزائر

رام الله الإخباري

في يوم 13 فبراير (شباط) 1960، تحديدًا الساعة السابعة وأربع دقائق بتوقيت الجزائر، استيقظت منطقة رقان وسكانها على وقع دوي انفجار مهيل، إذ شعر السكان بزلزال كبير متبوع بغبار كثيف، مع وميض ضوئي تمكن الناس من مشاهدته، على بعد 650 كم من نقطة التفجير، فما الذي حدث؟

بعد خروج فرنسا من الجزائر عام 1962، والذي مهد لنهاية الإمبراطورية الاستعمارية في إفريقيا، كانت الجمهورية الخامسة بقيادة شارل ديغول، بحاجة لاستعادة هيبتها العسكرية المفقودة، في ظل الخوف من استمرار النكسات الفرنسية، خاصةً مع صعود قوى أوروبية وإقليمية جديدة في ذلك الوقت، مثل الاتحاد السوفيتي، والولايات المتحدة بوصفها قوى نووية.

صار لزامًا على فرنسا الدخول إلى هذا النادي النووي، الذي يعبر عن القوة والكاريزما العسكرية لدى بقية الشعوب والدول، وكعادة الدول الاستعمارية فأول من سيدفع ثمن التجارب وخيمة العواقب هي الأراضي المستعمرة سابقًا، بما توفره من مورد بشري قابل للتجربة، ومن مساحات جغرافية شاسعة.

كانت الجزائر بمساحتها الواسعة،المكان الطبيعي والملائم للحكومة الفرنسية، من أجل خوض تجاربها النووية، وبعد الدراسات وقع الاختيار على الصحراء الجزائرية الشاسعة، وعلى منطقة «رقان» بالضبط، لتكون منطقة إجراء التجارب والتفجيرات. خاصةً وأن اتفاقيات إيفيان الموقعة بين فرنسا والجزائر، تسمح باستخدام قواعد عسكرية في الجزائر لمدة غير معلنة آنذاك.

ومع هذه التجارب النووية التي سميت باليربوع الأزرق، بدأت سلسلة جديدة لمعاناة فئة من الشعب الجزائري، بعد أن شارفت تجربة الاستعمار الذي دام أكثر من قرن و30 سنة على الانتهاء، وتفتح صفحة أخرى من صفحات المعاناة باقية إلى اليوم، والتي ستمتد إلى آلاف السنوات القادمة بالنسبة لسكان هذه المنطقة.

اليرابيع الأربعة وبداية المعاناة

كان أول تفجير نووي بمنطقة رقان في فبراير (شباط) 1960، وقد قدرت قوته ما بين 60 و70 ألف طن من مادة تي إن تي (T.N.T) وهو ما قدره باحثون، بأنه أقوى من قنبلة هيروشيما بخمس مرات، فبعد أن تم إشعار المواطنين عندما حلقت طائرة صفراء على القرية، ووجهت لهم تعليمات للخروج من بيوتهم، والارتماء أرضًا حسب شهادة بعض المواطنين، وبعد اختفاء الطائرة عن الأنظار، دوى انفجار مهول زلزل الأرض، واكتسح المنطقة سحاب ساخن.

وعلى الرغم من بعد مسافة الانفجار بحوالي 60 كم، فقد تحطّمت بعض المباني، لتتبعها بعد ذلك قنبلة «اليربوع الأبيض»، ثم «اليربوع الأحمر» حسب ترتيب الألوان الثلاثة للعلم الفرنسي لتختتم التجارب الاستعمارية النووية بمنطقة «حموديا رقان» بالقنبلة الرابعة والأخيرة التي سميت بـ«اليربوع الأخضر»، وهذا في 25 أبريل (نيسان) 1961.



src.adapt.960.high.charredearth.1425159394240

ولتبدأ سلسلة التجارب في مناطق أخرى، من خلال التجارب الباطنية بمنطقة «إينكر» بالهقار، وتصل إلى 17 تفجيرًا حتى عام 1966، باعترافات رسمية من فرنسا، لكن الباحثين قدروا أنها تصل إلى 54 تجربة ما بين ناجحة وفاشلة، باعتبار أن فرنسا كما كانت مشغولة بالمستعمرات، كانت كذلك ترى أنها غير قادرة على مسايرة التطور التقني والنووي الجاري في العالم.

إسرائيل حاضرة بالخبراء والمال والتجربة

من خبايا العلاقة الوثيقة بين فرنسا وإسرائيل، هو التعاون النووي العميق بين الدولتين منذ خمسينات القرن الماضي، فالخبراء الإسرائيليون هم الوحيدون من خارج فرنسا، الذين سمحت لهم باريس، بالتجوال بكل حرية في المفاعلات النووية الفرنسية، بل وصل الأمر بإسرائيل إلى تقديم معلومات استخباراتية عبر عملائها المشارقة في المغرب العربي، مقابل تزويد الفرنسيين للدولة الإسرائيلية الناشئة في المنطقة بالأسلحة والخبرة العسكرية.

وبخصوص التحاق فرنسا، بالنادي النووي العالمي، قامت إسرائيل بتزويد الفرنسيين بكافة الإمكانات، من تمويل مالي ودعم بشري وعلمي وتقني، وهذا عن طريق مجموعتها العسكرية التي ساهمت في بناء التجربة النووية الأمريكية في أوكلاهوما.

ومولت إسرائيل التجربة النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية، أثناء عمل أول قنبلة، بواحد مليار و260 مليون فرنك، بالإضافة إلى 11 خبيرًا، وستة من الحاصلين على درجة الدكتوراه، و400 إطار في نفس الاختصاص، كما أجرت تجارب لصواريخها متوسطة المدى، والتي أطلقت عليه اسم «ياريحو» نسبة لمدينة أريحا في فلسطين المحتلة.

حتى الجنود الفرنسيين لم يسلموا من آثار الانفجار

ترافعت المحامية والناشطة القانونية «فاطمة بن براهم» عن عميلة استغلال، قام بها المستعمر الفرنسي للأرواح البشرية، إذ استعملتها الحكومة الفرنسية آنذاك، كفئران تجارب بهدف معرفة مدى تأثير الإشعاعات النووية على الجنس البشري.

وأكدت بن براهيم في حوارها مع الإذاعة الجزائرية، اقتياد 150 أسيرًا جزائريًّا، كانوا متواجدين بكل من سجني سيدي بلعباس ومعسكر (وهي منطقة الغرب الجزائري)، وبشهادة العسكري الذي نقلهم إلى رقان، إذ قال عنهم: «لم أقم بإعادتهم إلى السجون التي أخرجوا منها أول مرة». وطالبت في نفس الحوار بإنشاء مرصد وطني لمتابعة آثار هذه الانفجارات على الجزائريين العزل.

ولم يسلم حتى الجنود الفرنسيون من تأثيرات التجارب النووية، حيث تم استغلالهم، من قبل الحكومة الفرنسية لمعرفة التأثيرات المستقبلية فيهم، فقد ذكر تقرير سري حصلت عليه وكالة الأنباء الفرنسية أن فرنسا أرسلت فرقة من الجنود إلى مسافات متقدمة من النقطة صفر الخاصة بالتفجير، وهذا بعد أقل من ساعة على التفجير، إذ منحوا 45 دقيقة لحفر مواضع قتالية في الأرض الصحراوية الملوثة بالإشعاع، ولم يكن لديهم ما يحميهم إلا النعال العسكرية، والقبعات، والقفازات، وأقنعة الوجه البسيطة.



src.adapt.960.high.desertresidents.1425159394240

وأضاف التقرير أن الجيش قال حينها: «يبدو من النتائج أن المقاتل قادر جسديًّا على الاستمرار في القتال حتى على بعد 800 متر من النقطة صفر، وخارج منطقة الغبار النووي المتساقط»، وهو ما شكل ضجة لدى الأوساط الفرنسية، بالرغم من أن القائم على التجربة هي الحكومة الفرنسية، في أراضٍ غير فرنسية، والضحية الرئيسية من أصحاب الجنسية الجزائرية.

يقول المحقق الصحافي، سعيد كسال، إن التجارب العسكرية وخاصة النووية منها، في الجزائر، ما تزال تتسم بنوع من الغموض، ويعتبر ملف التجارب النووية في الجزائر، إلى وقت قريب، أحد الملفات المعقدة وغير المسموح بتداولها في الإعلام الجزائري، إذ قام سعيد كسال برفقة فريق التحقيق الصحافي بإجراء أول وثائقي حول هذه القضية.

وفي إجابة له على سؤال لـ«ساسة بوست»، بخصوص الآثار التي تركتها هذه التجارب في نفوس سكان الجنوب الجزائري، يقول كسال إنه يوجد الآلاف من سكان الجنوب، مصابون بأمراض السرطان، وعليهم أعراض العاهات التي تسببها المواد النووية والكيمياوية. يضيف كسال، بأن الدولة غير قادرة على مواجهة الحقيقة كاملة، أو ليست لديها الإرادة الكافية لكشف ذلك.

ويعيب كسال على الدوائر الرسمية، عدم إدراج هذا التاريخ في المقررات الدراسية، أو إعطائه حجمه الحقيقي من وراء العمل الذي ما تزال فئات كبيرة من المجتمع تعاني من مخلفاته، حيث المناطق الموبوءة بالتفجير تحتوي على مادة إلكترون يصل عمرها إلى أكثر من 24 ألف سنة. وهو ما يعتبر جريمة حقيقية في حق أجيال المنطقة بحسبه.

الاتفاقيات سرية والممارسات معلنة

قبل الاستقلال بقليل، وابتداءً من عام 1960 دخلت الحكومة الجزائرية المؤقتة في مفاوضات مع الحكومة الفرنسية، عرفت تاريخيًّا وأكاديميًّا باتفاقيات إيفيان (نسبة إلى المدينة الفرنسية التي جرت بها المفاوضات) وحوت في داخلها الشروط والبنود الخاصة بالاستقلال، وطبيعة العلاقات بين فرنسا والجزائر بعد ذلك، إلا أن غالبية المؤرخين يذكرون بأن في هذه الاتفاقيات بنود سرية لم تعلن للرأي العام الجزائري في حينه.

وكان من بين هذه البنود السّرية، مواصلة فرنسا استغلالها للصحراء الجزائرية، والمواقع العسكرية لمدة ما بين خمس سنوات و20 سنة، مثل قاعدة المرسى الكبير في الغرب الجزائري، وولاية بشار الصحراوية، وقد واصلت عمليًّا فرنسا تجاربها النووية، واستغلالها العسكري لهذه المواقع، حتى عام 1966، لتنتقل إلى مناطق أخرى في المحيط الهادئ والأطلسي تحت النفوذ الفرنسي بعد ذلك.

 

 

ساسة بوست