أوهام العرب حول دونالد ترامب

العرب وترامب

رام الله الإخباري

كما عهدنا ذلك خلال التاريخ العربي المعاصر، مازال طيف كبير من العرب يربطون خلاصهم أو خلاص بلدانهم بدول أخرى أو حتى بشخصيات سياسية وبقيادة خارجية. وقد تسارعت وتيرة السعي نحو الخلاص الخارجي في السنوات الأخيرة في ظل استشراء الفوضى وتداخل الأوراق منذ بدأت موجة الثورات في العالم العربي. فهذا توجه نحو أردوغان وذاك توجه نحو السعودية أو السيسي وذاك نحو بوتين وآخر طرق أبواب أوروبا، كل ذلك في ظل انسداد الأفق الداخلي.

في خضم هذا الضياع العربي، برز دونالد ترامب بخطابه الشعبوي التبسيطي الموجه للأمريكيين، وبتركيزه في مرحلة ما من خطابه على مقاومة الإرهاب وداعش بالتحديد. ومما زاد من مصداقية هذا الفارس الأمريكي لدى هذه الشريحة من العرب التائهين تقاربه في المواقف مع فلاديمير بوتين. على ضوء ذلك أصبح دونالد ترامب، ذلك المغامر الأمريكي الذي تحدى نخب الحزبين الكبيرين وبنى ذاته السياسية بالمال وبالإعلام وبخطاب شعبوي تبسيطي، وكأنه المنقذ من الضلال. فهو الذي سيخلص العالم العربي من الإرهاب وسيضع حركة الإخوان على لائحة الحركات الإرهابية وربما سيقف سدا منيعا أمام التوسع التركي السعودي.

بغض النظر عن أن مثل هذه الانتظارات تعكس قبل كل شيء عجز أصحابها على فهم الواقع العربي كحراك اجتماعي وسياسي داخلي، فإنها تحيل كذلك على جهل بطبيعة السياسة الأمريكية وبحقيقة سياسة دونالد ترامب باعتباره في النهاية سليل اليمين الجمهوري الأمريكي.

يبقى خطاب ترامب في السياسة الخارجية محكوما بتوجه نحو أولوية الداخل الأمريكي على حساب الخارج. وهي سياسة انعزالية تعود إلى تقليد قديم سارت عليه الولايات المتحدة حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى. ومن شأن مثل هذه الانعزالية أن تجعل الإدارة الأمريكية بعيدة كل البعد عن مشاغل العالم العربي وخاصة الشرق الأوسط. لذلك فحديث ترامب عن الإرهاب وعن داعش لا يتجاوز حد الشأن الأمريكي الداخلي في مقاومة هذه الظاهرة. لأن مقاومة الإرهاب كظاهرة عالمية تتطلب انخراطا فعليا في عمليات خارجية كما تتطلب رصد تمويلات ضخمة. والحال أن الرئيس الأمريكي الجديد يرى أن المواطن الأمريكي هو الأولى بهذه الأموال.

نضيف إلى ذلك أن العالم العربي لا يمثل في الحقيقة أولوية في مشاريع دونالد ترامب إلا إذا تعلق الأمر بالعلاقة مع إسرائيل. إذ تبقى الصين وروسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية هي الأولوية الحقيقية في علاقات الولايات المتحدة سواء قبل ترامب أو وبعده. 

مونتي كارلوا الدولية