حتى لو انتصر في حلب ...الأسد لن يحكم سوريا

حلب والاسد

رام الله الإخباري

عندما يفرغ رئيس النظام السوري، بشار الأسد، من معركة حلب التي تحولت إلى أنقاض لتأكيد سيطرته على سورية الممزقة، فإنه سيصبح وكأنه شخصية لا تستطيع المعارضة المساس بها، لكنه مازال يواجه تحديات ضخمة في استعادة الحكم على باقي الدولة.

وسيعني سقوط حلب المتوقع ان تضعف احتمالات الإطاحة بالأسد، غير أن الانتفاضة جعلته مرهونا بحلفاء أجانب مذعنا لفقدان مساحات من بلاده في الوقت الراهن ومازال أمامه جيوب مقاومة صعبة يتعين عليه سحقها.

وقال مسؤول رفيع مؤيد للنظام في المنطقة 'من المؤكد أن هذه ليست نهاية الحرب ... لكنك عندما تأخذ حلب تسيطر على 90 في المئة من المناطق الخصبة في سورية... المناطق التي تضم المدن والأسواق والمناطق الآهلة بالسكان'.

غير أن الانتصارات التي حدثت في ساحة المعركة ويبدو الآن أنها أمنت حكم الأسد لم يحقق جيشه المنهك جانبا كبيرا منها، بل يرجع الفضل فيها للطائرات الحربية الروسية وقوة من فصائل شيعية أجنبية تدعمها إيران.

وسيعتمد الأسد على موسكو وطهران في استرداد المزيد من الأراضي والاحتفاظ بها وتأمينها، وهذا يعني أنه سيتعين عليه الموازنة بين طموحاته وطموحاتهما.

وفي الوقت نفسه، ومع فقدان المعارضة لمواقع وتزايد هيمنة المتشددين في صفوفها، فإن الحرب التقليدية قد تنحسر لتبدأ فترة من عمليات حرب العصابات والتفجيرات الانتحارية داخل مناطق يسيطر عليها النظام.

ومما يزيد من تفاقم الأمر أن الحرب أخذت أبعادا طائفية سيتردد صداها لأجيال.

وأسوأ ما في الأمر أن الحرب الدائرة منذ ما يقرب من ست سنوات أدت إلى مقتل مئات الآلاف من السوريين وأخرجت نحو 11 مليونا من ديارهم، نصفهم تقريبا فروا إلى خارج البلاد ودمرت جانبا كبيرا من البنية الأساسية اللازمة لإحياء الاقتصاد المحطم.

وسيواجه الأسد في مساعي إعادة البناء العقوبات الغربية المفروضة على جانب كبير من حكومته والعزلة المفروضة على بلاده من جانب بعض الشركاء التجاريين السابقين الرئيسيين مثل الاتحاد الأوروبي وتركيا ودول الخليج العربي والأردن. كما أن دولًا في الخليج قد تواصل تمويل المعارضة.

وحول مستقبل دولة تحت حكم الأسد قال نيكولاوس فان دام، الدبلوماسي الهولندي السابق الذي ألف كتابا عن تاريخ سورية والحياة السياسية فيها 'أصيبت سورية بجروح كبيرة وأتوقع أن يأتي يوم الحساب'.

 لا غنى عنه

ويقول أنصار الأسد إنه بدونه سينهار ما تبقى من القوات المسلحة والأجهزة الأمنية السورية لتتحول البلاد إلى دولة فاشلة تمثل خطرا على العالم لعشرات السنين.

وقال الباحث بالمعهد الكندي للشؤون الخارجية والسفير الدنماركي السابق لدى سورية، رولف هولمبو، إن إقناع ما يكفي من الحلفاء بمن فيهم موسكو وطهران بالنظر إليه من هذا المنظور 'أروع إنجازات' الأسد السياسية.

أما بالنسبة لخصومه، فيمثل الأسد الرجل الذي حرق سورية حتى لا يسمح للسلطة بالتسرب من قبضته، ودكتاتورا تخضبت سجونه بدماء خصومه ودمرت مدنه بقنابل جيشه.

ويرى المنتقدون في سرعة لجوء الأسد لاستخدام القوة ضد المحتجين عام 2011 ونشر المدفعية والسلاح الجوي ضد مدن سورية اقتداءه بوالده الرئيس الراحل حافظ الأسد الذي حكم البلاد في الفترة من 1970 إلى عام 2000.

فقد كان سحق الرئيس السابق لحركة تمرد بدأت عام 1976 وبلغت ذروتها في مذبحة راح ضحيتها الآلاف في مدينة حماة عام 1982 هو النموذج الذي اتبعه الرئيس الابن ردا على احتجاجات الربيع العربي عام 2011 والحرب التي أعقبتها.

وقال أيمن عبد النور، الصديق السابق للأسد والمؤيد للإصلاح والذي غادر سورية عام 2007 'ليس أمامهم حلول أخرى وهذا كل ما في الأمر. وقد طبقوا دليل الإرشادات نفسه. أخرجوه من الدرج وطبقوا ما فيه'.

وبالنسبة لعبد النور، يختلف الأسد الذي دخل الحرب اختلافا كبيرا عن الطالب الذي كان يعرفه في جامعة دمشق في أوائل الثمانينات قبل سنوات من مقتل شقيقه الأكبر وتحمله مسؤولية خلافة والده في الرئاسة.

وقال 'كان مثل أي شخص آخر. في غاية التواضع واللطف ... لأنه لم يكن من المفترض أن يصبح رئيسا'.

وأثارت سنوات الأسد الأولى في الرئاسة بعد أن خلف والده عام 2000 الآمال في إصلاحات سياسية واقتصادية لكن الإصلاحات تعثرت وتردد في ذلك الوقت أن السبب هو الحرس القديم من القيادات الأمنية.

 استبعاد الرقة في الوقت الراهن

وركز الأسد وحلفاؤه حملتهم على غرب البلاد الخصيب حيث الكثافة السكانية العالية ولا يتوقع أحد يذكر أن يبدد الموارد العسكرية المحدودة على المسارعة لاسترداد المناطق الصحراوية الشرقية أو منطقة وادي الفرات من تنظيم 'الدولة الإسلامية' (داعش).

وقال المسؤول الكبير المؤيد لدمشق إن الأسد استبعد محافظة الرقة في الوقت الحالي والتي أصبحت معقلا رئيسيا لتنظيم الدولة داعش في سورية واعتبر التنظيم المتشدد مشكلة على واشنطن حلها.

وأضاف المسؤول 'نسي النظام الرقة منذ فترة طويلة وجعلها مسؤولية الأميركيين. فليذهب أولئك الذين يزعجهم داعش لاستئصاله' مستخدما اسما شائعا للتنظيم.

ومع ذلك، أشار الأسد بنفسه في مقابلة تلفزيونية أجراها في كانون الأول/ ديسمبر إلى أنه يعتزم في نهاية الأمر استعادة سيطرة دمشق على مختلف أنحاء البلاد.

وسئل رئيس النظام عن نظام 'اتحادي' طبقه الأكراد في بعض مناطق شمال سورية تراجعت منها الدولة المركزية فقال مستخفا بمجالسهم المحلية إنها 'هياكل مؤقتة'.

ولتحقيق المزيد من المكاسب العسكرية بعد حلب سيواصل الأسد اعتماده على قوة موسكو الجوية وعلى القوة البرية التي أتاحتها له إيران والفصائل الشيعية التي ترعاها وعلى رأسها جماعة حزب الله اللبنانية.

وقد لقي عدة آلاف من رجال الفصائل الأجنبية مصرعهم في القتال في صفوف الأسد، وسقط هؤلاء في أغلب الأحيان في جبهات أشرس معارك الحرب، ويعتقد خصوم الأسد في المنطقة أن ذلك سيجعله تابعا لحلفاء أقوى لهم أهدافهم الخاصة بهم.

وقال عبد العزيز صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث والذي طلبت منه الرياض التوسط في محادثات بين جماعات المعارضة السورية في العام الماضي إنه يعتقد أن ذلك جعل الأسد أضعف من أن يحكم بفاعلية في الأجل الطويل.

وقال في مكالمة هاتفية 'رأيي منذ اليوم الأول أن بشار الأسد يخوض معركة خاسرة. حتى إذا كسب موقعا فمن يحكم سورية حقا الآن؟ إنهم الروس والإيرانيون. وليس له دور يذكر ليلعبه هناك'.

وقال الأسد نفسه في المقابلة التلفزيونية إنه يتشاور مع روسيا يوميا وإنه 'لا قرار يصدر دون مشاورات بين البلدين'.

وفي موسكو، قال الجنرال المتقاعد بالقوات الخاصة الروسية ونائب رئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس الاتحاد في روسيا، فلاديمير جباروف، إن بلاده ليس لها أي دوافع مستترة في سورية.

وأضاف 'قيادتنا تقول دائما إننا لا نؤيد الأسد بل سيادة القانون في ذلك البلد'.

ومع ذلك فالأسد ليس مجردا من كل قوة في تعاملاته مع حلفائه. إذ أن موسكو وطهران تعتمدان على وجوده في الاحتفاظ بسلامة النظام وقوات الأمن وتبرير إنفاقهما الهائل على الحرب في ضوء عدم اعتقاد أحد بوجود بديل مقبول له بين القيادات العليا في الحكومة والجيش.

وقال فان دام 'إيران وروسيا وحزب الله كلهم يحتاجون إليه. وروسيا وإيران قدراتهما محدودة في إمكانيات التأثير عليه'.

علمانية

ومن الممكن أن يكون من عواقب سقوط حلب أن جماعات المعارضة الوطنية التي تشعر الدول الغربية أن بإمكانها دعمها ستضعف في حين ستتزايد هيمنة الجماعات الجهادية.

وقال هولمبو السفير السابق 'الأسد اقترب خطوة من هدف ضمان أن يبدو المشهد في جانب المعارضة أكثر إرهابا في لغته وهو ما سيكون من وجهة نظره الاستراتيجية وسيلة للتواصل مع الغرب لمحاربة الإرهابيين معا'.

وفي هذا السياق أكد الأسد على الدوام الطبيعة العلمانية لحزب البعث الحاكم الذي ينتمي إليه كحركة اشتراكية عروبية احتضنها والده الذي تولى السلطة في انقلاب، وكان أول من أقام تحالفات لبلاده مع موسكو وطهران.

لكن المنتقدين يقولون إنه في حين سلط الضوء على الطبيعة العلمانية لفكر حزب البعث في مقابل معتقدات الإسلاميين التي اعتنقها خصومه في البلاد والمتشددون الذين يهددون دولا أخرى فإن سياساته الفعلية طائفية إلى حد بعيد.

وتنتمي عائلة الأسد إلى الطائفة العلوية التي تمثل أقلية في سورية، وشغل أفراد هذه الطائفة المناصب الكبرى في أجهزة الدولة والجيش وقوى الأمن الداخلية.

وقال فان دام 'من ناحية معينة مازال النظام علمانيا لكن تكوينه ليس علمانيا'. وأضاف أنه سيكون من الصعب تحقيق أي آمال في مصالحة مستقبلية بين أصحاب المذاهب في سورية 'لسنوات كثيرة كثيرة كثيرة'.

وكان بعض خصومه يأملون أن يحدث انقلاب داخلي قد يسمح بظهور شخصية أكثر مهادنة لكن مع تحقيق النظام المزيد من الانتصارات سيكون من الصعب ظهور شخصيات أخرى من داخل الدولة تطيح به.

وقال عبد النور 'دائما ما ينشر الشائعات ضد كل واحد منهم. وكل واحد يكره الآخر. وكل ضابط بالمخابرات يأخذ نائبه موقفا معاديا له تماما. وهذا هو الأمر. لا يمكن لأحد أن يتحرك. ولا يمكن لأحد أن يفعل شيئا'.

 

 

 
 

رويترز