تقرير : لا فرق بين ابو عزرائيل الطائفي ومجرمي داعش

10009139_1564297330486846_8128634837962082591_n

رام الله الإخباري

مع نزول مجموعة من القوات إلى الموصل في معركة الموصل لهزيمة داعش، بدأ الاهتمام يتحول إلى سيناريو ما بعد الحرب في المدينة التي تعتبر من أكبر مدن العراق والأهم استراتيجياً.

تبدو هنالك العديد من المصالح المتنافسة في معركة الموصل، المدينة التي أعلن فيها أبوبكر البغدادي نفسه "خليفة" في حزيران/يونيو عام 2014. تحالفات أصحاب المصالح تبدو مؤقتة وتحرير السكان ليس من أهم أولوياتهم، هذه معركة لأجل مستقبل العراق والشرق الأوسط الكبير.

الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة بحاجة لاستعادة الموصل لإعادة تأهيل نفسها على بسط السلطة الوطنية، وهذا بحاجة لتغيير العقليات التي كانت سائدة قبيل سيطرة داعش، لكن تبدو هناك مؤشرات على تصلب المواقف في خضم لهيب الحرب.

تتحرك ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية صوب الموصل رافعة أعلام "كتائب حزب الله" و"عصائب أهل الحق" و"منظمة بدر"، التي تعتبر من أكبر الميليشيات الشيعية، رغم انضواء مسلحين سنة ومسيحيين ضمن تلك الميليشيات التي تتلقى معظمها أوامرها مباشرة من طهران، كما يعتبر العديد منها من المقربين إلى المرجعية بالعراق - القيادة الدينية الشيعية. أقيمت نقاط تفتيش ورفعت عليها صور الخميني، المرشد الذي قاد الثورة الإيرانية، في تصرف من شأنه أن يعكس الطبيعة الإيديولوجية لمشاركتهم.

في الخطوط الأمامية يلوح أبوعزرائيل مجرم الحرب الطائفي الذي لا يقل وحشية عن جلادي تنظيم داعش، حيث يقوم بشواء ضحاياه وتقطيعهم كالكباب. فقد ظهر مؤخراً في صورة بجانب أبومهدي المهندس، وهو قيادي ميداني بالحشد الشعبي صنفته وزارة الخزانة الأميركية كإرهابي عام 2009، وهو نائب قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني والذي يعتبر الشخصية الأقوى بالعراق الآن، فقد عاد أبوعزرائيل من إيران بعد لقائه بمحمد نقدي، قائد قوات الباسيج التابعة للحرس.

الحشد الشعبي، المدعوم من قبل نظام بغداد الذي له بدوره ميوله الشفوينية الشيعية، يقاتل لأجل قضية شيعية، فبالنسبة لإيران، كلما ازدادت الرقعة التي يسيطر عليها الشيعة، ازداد نفوذ الحرس الثوري في العراق. في المقابل، هذا ينعكس على توازن القوى بالداخل الإيراني بين الحكومة المدنية والحكومة الدينية-العسكرية المعقدة فيما يستعد الرئيس حسن روحاني للترشح لولاية جديدة.

وأبقى الجيش العراقي مليشيات الحشد الشعبي على الهامش تحديداً غرب الموصل، لكن امتداد المعارك لفترات طويلة قد يضطره في نهاية الأمر للاعتماد على دعم هذه الميليشيات.

ولا يحمل الوضع في طياته بشارة للغالبية السنية في الموصل، فداعش وليد سياسة العنف القمعي الذي انتهجته إدارة نوري المالكي ضد العشائر العربية السنية، ما دفع الكثير منهم للانضمام للميليشيات المسلحة التي قاتلت (الحكومة) عام 2007، بالتالي أجبرت أميركا على زيادة عدد قواتها، من غير المرجح أن تكون الميليشيات الشيعية بمزاج متسامح، أو حتى الجيش العراقي الذي أجبر على انسحاب مهين من المدينة.

الموصل ستنظر بفزع إلى هزيمة داعش في الفلوجة في يونيو، حيث تسبب الحصار الذي فرضته ميليشيات الحشد بأضرار بالغة في المدينة الممزقة أصلا بفعل الحرب. فقد اتهمت منظمة العفو الدولية "آمنستي" تلك الميليشيات بارتكاب جرائم حرب وحثت الحكومة العراقية "على اتخاذ خطوات ملموسة لضمان عدم تكرار العنف البشع الذي شهدته الفلوجة وأنحاء أخرى بالعراق أثناء المواجهات بين القوات الحكومية ومقاتلي داعش".

كما اتهمت ميليشيات الحشد باختطاف أكثر من 640 رجلاً وصبياً من السنة وإعدامهم دون محاكمة وتعذيب نحو 50 آخرين حتى الموت بعد معركة استرداد المدينة.

وعلق صباح كرهوت رئيس مجلس محافظة الأنبار على ذلك قائلاً: "لم تكن هناك معركة تحرير، بل عمليات قتل وتعذيب للمدنيين ممن فروا إلى أحضان القوات المسلحة طمعاً في النجاة فقط لينتهي بهم الأمر إلى هذا المصير".

بدوره، قال زيد رعد الحسين المفوض السامي لحقوق الإنسان: "أمر مزعج للغاية تقارير ذات مصداقية تقول إن العراقيين الفارين من الفلوجة يواجهون التعذيب والضرب والإعدام دون محاكمة."

البُعد الكردي

ولا يبدو بأن للسنة العرب في الموصل حلفاء أقوياء يحولون دون وقوع سيناريو مشابه قد يحدث في معركة استرداد مدينتهم. الحكومة التركية تقدم نفسها على أنها حامي السنة العرب في الموصل بدعم الميليشيات التركمانية، رغم أن دورهم يبدو صغيراً على الأرض، وقد تبدو هذه كمحاولة لدرء هجمات المتطرفين الشيعة على السنة، لكن في حقيقة الأمر أن أهم ما يشغل تركيا هو تصاعد النزعة القومية الكردية وهو ما تعتبره تهديدا وجوديا.

تراجع الجيش العراقي عام 2004 مكن البيشمركة من توسيع المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الإقليمية الكردية بنحو 40 في المئة. تركيا بالفعل حركت أعدادا كبيرة من قواتها على الحدود لتتدخل دون موافقة بغداد للسيطرة على الموصل حال فكر الأكراد في التوسع نحو المدينة، وسيناريو كهذا قد يحول معركة داخلية إلى حرب دولية.

وبالرغم من العلاقة الطيبة التي تربط طهران برجل كردستان القوي مسعود برزاني، إلا أن القلق قد ينتابها من وجود الأكراد الإيرانيين ضمن المجموعات الكردية المتمركزة بالقرب من بلدة بعشيقة المجاورة للموصل. خلال الأشهر الأخيرة وقعت مناوشات بين تلك المجموعات والقوات الإيرانية داخل الأراضي الإيرانية كما أنها تعمل على تأمين تحالفات مع البيشمركة ذات النفوذ القوي. وهذا وضع قد يكون نقطة تحول بين كل من بغداد وأنقرة والأكراد.

وتعي بغداد وأنقرة تماماً أن سيطرة الأكراد على منطقة ما يعني انسحابهم منها بشروطهم، فكركوك مثلاً سيطر عليها البيشمركة "مؤقتا" إبان حرب العراق وحتى اللحظة لا تزال القوات الكردية متواجدة هناك، كما أنها اتهمت مؤخراً بالقيام بعمليات تنظيف عرقي لإخراج العرب من المدينة ذات العرقيات المتعددة.

ويعتمد الأكراد بشدة على دعم القوات الأميركية الخاصة والغطاء الجوي الأميركي، ولكن ما إن تكتمل العملية الراهنة لن يتوانى الرئيس الأميركي المنتخب (دونالد) ترمب للحظة عن سحب القوات الأميركية من العراق، وهذا سيترك الأكراد للاعتماد على مواردهم الخاصة، وقد يقاومون الانسحاب حتى إيجاد تسوية دستورية دائمة للحكم الذاتي - تحديداً السيادة على حقول النفط في كركوك.

معركة الموصل تعني أكثر من مجرد السيطرة على المدينة، لكن بالنسبة للسكان تعني المزيد من الشقاء وسفك الدماء ورعب يفوق ما يذوقونه على أيدي داعش إبان سيطرتهم على المدينة.

بأسس ديمقراطية غير فاعلة أخفقت في معالجة المظالم والتمثيل الطائفي والانتقام الشيعي العنيف المحتمل، فلن يكون أمام السنة خيار سوى ترسيخ هويتهم والدفاع عن أنفسهم. هذا قد يتخذ أشكالا عدة لكن التاريخ يقول لنا إنهم سيحملون السلاح مما سيفاقم ويوسع نطاق زعزعة العراق بانعكاسات ستطال كافة المنطقة، فالموصل تواجه مصيراً أسوأ من داعش.

 

العربية نت